2011-06-19

أجمل حب

كما ينبت العشب بين مفاصل صخرةْ

وُجدنا غريبين يوما

وكانت سماء الربيع تؤلف نجماً... ونجما

وكنت أؤلف فقرة حب...

لعينيكِ... غنيتها!



أتعلمُ عيناكِ أني انتظرت طويلا

كما انتظرَ الصيفَ طائرْ

ونمتُ... كنوم المهاجرْ

فعينٌ تنام، لتصحوَ عين... طويلا

وتبكي على أختها،



حبيبان نحن، إلى أن ينام القمر

ونعلم أن العناق، وأن القبل

طعام ليالي الغزل

وأن الصباح ينادي خطاي لكي تستمر

على الدرب يوماً جديداً!



صديقان نحن، فسيري بقربيَ كفاً بكف

معاً، نصنع الخبز والأغنيات



لماذا نسائل هذا الطريق... لأي مصير

يسير بنا؟

ومن أين لملم أقدامنا؟

فحسبي، وحسبك أنا نسير...

معاً، للأبد

لماذا نفتش عن أُغنيات البكاء

بديوان شعر قديم؟

ونسأل: يا حبنا! هل تدوم؟

أُحبكِ حُبَّ القوافل واحةَ عشب وماء

وحب الفقير الرغيف!

كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة

وجدنا غريبين يوماً

ونبقى رفيقين دوماً.


كلمات : محمود درويش
من ديوان " أوراق الزيتون " (1964 )




2011-05-21

أنا العاشق السيء الحظ

أنا العاشق السيء الحظ

تمرد قلبي عليّْ
*
أنا العاشق السيء الحظ
نرجسة لي وأخرى عليّْ
*
أمرّ على ساحل الحب. ألقي السلام
سريعاً. وأكتب فوق جناح الحمام
رسائل مني الي.
*
كم امرأة مزقتني
كما مزق الطفل غيمة
فلم أتألم، ولم أتعلم. ولم أحم نجمهْ
من الغيم خلف السياج القصيّْ
*
أمر على الحب كالغيم في خاتم الشجرة
ولا سقف لي، لا مطر
أمر كما يعبر الظل فوق الحجر
وأسحب نفسي من جسد لم أرهْ
*
أخاف الرجوع الى أي ليل عرفته
أخاف العيون التي تستطيع اختراق ضفافي
فقد تبصر القلب حافي
أخاف اعترافي
بأني أخاف الرجوع الى صدر شربته
فألقي بنفسي في البئر.. فيّْ
*
أنا العاشق السيء الحظ. قلت كلاما كثيراً
وسهلا عن القمح حين يفرِّخ فينا السنونو.
وقلت نبيذ النعاس الذي لم تقله العيون
ووزعت قلبي على الطير حتى تحط وحتى تطيرا
وقلت كلاما لألعب. قلت كلاما كثيرا
عن الحب كي لا أحب، وأحمي الذي سيكون
من اليأس بين يدي
*
ويا حب، يا من يسمونه الحب، من انت حتى تعذب هذا الهواء
وتدفع سيدة في الثلاثين من عمرها للجنون
وتجعلني حارساً للرخام الذي سال من قدميها سماء؟
وما اسمك يا حب، ما اسم البعيد المعلق تحت جفوني
وما اسم البلاد التي خيمت في خطى امرأة جنة للبكاء
ومن أنت يا سيدي الحب حتى نطيع نواياك ونشتهي
أن نكون ضحاياك؟
إياك أعبد حتى أراك الملاك الأخير على راحتيّْ.
*
أنا العاشق السيء الحظ. نامي لأتبع رؤياك ، نامي
ليهرب ماضي مما تخافين. نامي لأنساك. نامي لأنسى مقامي
على أول القمح في أول الحقل في أول الأرض. نامي
لأعرف أني أحبك أكثر مما أحبك. نامي
لأدخل دغل الشعيرات في جسد من هديل الحمام
ونامي لأعرف في أي ملح أموت ، وفي أي شهد سأبعث حيا.
ونامي لأحصي السموات فيك وشكل النباتات فيك. واحصي يديا
ونامي لأحفر مجرى لروحي التي هربت من كلامي
وحطت على ركبتيك لتبكي علي
*
أحب، أحب، أحبك . لاأستطيع الرجوع الى أول البحر.
لا أستطيع الذهاب الى آخر البحر. قولي
الى أين يأخذني البحر في شهوتك
وكم مرة سوف تصحو الوحوش الصغيرة في صرختك؟
خذيني لآخذ قوت الحجل
وتوت زحل
على حجر البرق في ركبتيك.
أحب، أحب ، أحبك. لكنني لا اريد الرحيل عن موجتك.
دعيني ، اتركيني ، كما يترك البحر اصدافه على شاطئ العزلة
الأزلي.
أنا العاشق السيء الحظ لا أستطيع الذهاب اليك . ولا أستطيع
الرجوع الي.
*
تمرد قلبي علي.

2011-04-06

لا تعتذر عمَّا فعلت

لا تعتذر عمَّا فعلت
لا تعتذرْ عمَّا فَعَلْتَ – أَقول في
سرّي. أقول لآخَري الشخصيِّ:
ها هِيَ ذكرياتُكَ كُلُّها مرئِيّةٌ:
ضَجَرُ الظهيرة في نُعَاس القطِّ/
عُرْفْ الديكِ/
عطرُ المريميَّةِ/
قهوةُ الأمِّ /
الحصيرةُ والوسائدُ/
بابُ غُرفَتِكَ الحديديُّ/
الذبابةُ حول سقراطَ/
السحابةُ فوق أفلاطونَ/
ديوانُ الحماسةِ/
صورةُ الأبِ/
مُعْجَمُ البلدانِ/
شيكسبير/
الأشقّاءُ الثلاثةُ,والشقيقاتُ الثلاثُ,
وأَصدقاؤك في الطفولة ’ والفضوليُّون:
((هل هذا هُوَ؟)) اختلف الشهودُ :
لعلَّه, و كأنه. فسألتُ)) مَنْ هُوَ؟))
لم يُجيبوني. هَمَسْتُ لآخري: ((أَهو
الذي قد كان أنتَ... أنا؟))فغضَّ
الطرف. والتفتوا إلى أُمِّي لتشهد
أَنني هُوَ... فاستعدَّتْ للغناء على
طريقتها: أنا الأمُّ التي ولدتْهُ’
لكنَّ الرياحَ هِيَ التي رَبَّتْهُ.
قلتُ لآخري: لا تعتذر إلاّ لأمِّكْ!

2011-03-16

لاأقل , ولا أكثر

أَنا اُمرأةٌ. لا أَقلَّ ولا أَكثرَ
أَعيشُ حياتي كما هِيَ
خَيْطاً فَخَيْطاً
وأَغزِلُ صُوفي لألبسَهُ , لا
لأُكملَ قصَّةَ ((هُوميرَ)) أَو شمسَهُ
وأَرى ما أَرى
كما هُوَ , في شكْلِهِ
بيد أَنِّي أُحدِّقُ ما بين حينٍ
وآخرَ في ظلِّهِ
لأحِسَّ بنبض الخسارةِ’
فاكتُبْ غداً
على وَرَقِ الأمس: لا صوْتَ
إلاّ الصدى.
أُحبُّ الغموضَ الضروريَّ في
كلمات المسافر ليلاً إلى ما اُختفى
من الطير فوق سُفُوح الكلام
وفوق سُطُوح القُرى
أَنا امرأة , لا أَقلَّ ولا أكثرَ
تُطَيِّرُني زَهْرَةُ اللوز ,
في شهر آذار , من شرفتي
حنيناً إلى ما يقول البعيدُ :
((اُلمسيني لأُوردَ خيليَ ماء الينابيع))
أَبكي بلا سَبَبٍ واضح , وأُحبُّكَ
أَنت كما أَنت , لا سَنَداً
أَو سُدَى
ويطلع من كتفيَّ نهارٌ عليك
ويهبط , حين أَضمُّكَ , ليلٌ إليك
ولستُ بهذا ولا ذاك
لا’ لستُ شمساً و لا قمراً
أَنا امرأةٌ , لا أَقلَّ ولا أكثرَ
فكُنْ أَنتَ قَيْس الحنين ,
إذا شئتَ . أَمَّا أَنا
فيُعجِبُني أَن أُحَبَّ كما أَنا
لا صُورَةً
مُلَوَّنَةً في الجريدة , أو فكرةً
مُلَحّنةً في القصيدة بين الأَيائلِ....
أَسْمَعُ صرخة ليلى البعيدة
من غرفة النوم: لا تتركني
سجينةَ قافيةٍ في القبائلِ
لا تتركيني لهم خبرا...
أَنا اُمرأةٌ , لا أَقلَّ ولا أكثرَ
أَنا مَن أَنا , مثلما
أَنت مَنْ أَنت : تسكُنُ فيَّ
وأَسكُنُ فيك إليك ولَكْ
أُحبّ الوضوح الضروريَّ في لغزنا المشترك
أَنا لَكَ حين أَفيضُ عن الليل
لكنني لَسْتُ أَرضاً
ولا سَفَراً
أَنا اُمرأةٌ , لا أَقَلَّ ولا أكثرَ
دَوْرَةُ القَمَر الأنثويّ
فتمرضُ جيتارتي
وَتَراً
وَتَراً
أنا اُمرأةٌ ,
لا أَقلَّ
ولا أكثرَ!

بالزنبق امتلأ الهواءُ



  أنا المعافى الآن، سيِّدُ فُرصتي
في الحب. لا أنسى ولا أتذكّر الماضي،
لأني الآن أولدُ، هكذا من كلّ شيء..
أصنعُ الماضي إذا احتاجَ الهواء إلى سلالته
وأفسدَه الغبار. وُلدتُ دون صعوبة،
كبناتِ آوى، كالسمندلِ، كالغراب. ولم أهنئ
والديَّ بصحتي وسلامتي. والآن، أقفزُ
صاحياً وأرى وأسمع. كلُّ هذا الزنبق
السحريّ لي: بالزنبقِ امتلأ الهواء كأنّ
موسيقى ستصدح. كلُّ ما حوالي يهنئني:
خلاءُ السقف من شبحٍ ينازعني على نفسي.
وكرسيّ يرحّبُ بالتي تختار إيقاعاً خصوصيّاً
لساقيها. ومرآةٌ أمام الباب تعرفني وتألفُ
وجه زائرها. وقلبٌ جاهزٌ للاحتفال بكلِّ
شيء. كلُّ شيء يصطفي معنى لحادثة الحياة،
ويكتفي بهبات هذا الحاضرِ البلّور. لم أعرفْ
ولم أسألْ: لماذا أحتفي بصداقةِ اليوميّ،
والشيء المتاح، وأقتفي إيقاع موسيقى ستصدح
من زوايا الكون؟ لا أنسى ولا أتذكّرُ
الغد... ربما أرجأتُ تفكيري به، عن غير
قصدٍ، ربما خبّأتُ خوفي من ملاكِ الموت،
عن قصدٍ، لكي أحيا الهنيهةَ بين منْزلتين:
حادثة الحياة وحادث الموت المؤجّل ساعةً
أو ساعتين، وربما عامين... يفرحني تَذكُّرُ
ما نسيتُ: نسيتُ أن أنسى غناء الناي
للأفعى. بلا سببٍ يفيضُ النهرُ بي، وأفيض
حول عواطفي: بالزنبق امتلأ الهواء كأنّ
موسيقى ستصدح!

لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي

كزهر اللوز أو أبعد!


لوصفِ زهرِ اللوز، لا موسوعةُ الأزهارِ
تسعفني، ولا القاموسُ يسعفني...
سيخطفني الكلامُ إلى أحابيلِ البلاغةِ
والبلاغةُ تجرحُ المعنى وتمدحُ جرحه،
كمذكَّرٍ يملي على الأنثى مشاعرها
فكيفَ يشعُّ زهرُ اللوز في لغتي أنا
وأنا الصدى؟
وهو الشفيفُ كضحكةٍ مائيةٍ نبتتْ
على الأغصانِ من خفرِ النَّدى...
وهو الخفيفُ كجملةٍ بيضاءَ موسيقيةٍ...
وهو الضعيفُ كلمحِ خاطرةٍ
تطلُّ على أصابِعنا
ونكتبُها سُدى
وهو الكثيفُ كبيتِ شعرٍ لا يدوَّن
بالحروف
لوصفِ زهرِ اللوز تلزمني زياراتٌ إلى
الَّلاوعي ترشدني إلى أسماءِ عاطفةٍ
معلقةٍ على الجدران. ما اسمه؟
ما اسمُ هذا الشيء في شعريةِ الَّلاشيء؟
يلزمني اختراقُ الجاذبيةِ والكلام،
لكي أحسَّ بخفةِ الكلماتْ حين تصير
طيفاً هامساً فأكونها وتكونني
شفافةً بيضاء
لا وطنٌ ولا منفى هي الكلمات،
بل ولعُ البياضِ بوصفِ زهرِ الَّلوز
لا ثلجٌ ولا قطنٌ فما هو في
تعاليه على الألوان والكلمات
لو نجحَ المؤلف في كتابةِ مقطع ٍ
في وصفِ زهر اللوز، لانحسر الضباب
عن التلال، وقالَ شعبٌ كاملٌ:
هذا هوَ
هذا كلامُ نشيدنا الوطني!