( 1 ) متر مربع في السجن
هو البابُ، ما خلفه جنَّةُ القلب. أشياؤنا |
- كُلُّ شيء لنا - تتماهى. وبابٌ هو الباب، |
بابُ الكنايةِ، باب الحكاية. بابٌ يُهذِّب أيلولَ. |
بابٌ يعيد الحقولَ إلى أوَّل القمحِ. |
لا بابَ للبابِ لكنني أستطيع الدخول إلى خارجي |
عاشقًا ما أراهُ وما لا أراهُ. |
أفي الأرض هذا الدلالُ وهذا الجمالُ ولا بابَ للبابِ? |
زنزانتي لا تضيء سوى داخلي.. |
وسلامٌ عليَّ، سلامٌ على حائط الصوتِ. |
ألَّفْتُ عشرَ قصائدَ في مدْح حريتي ههنا أو هناك. |
أُحبُّ فُتاتَ السماءِ التي تتسلل من كُوَّة السجن مترًا من الضوء تسبح فيه الخيول، |
وأشياءَ أمِّي الصغيرة.. |
رائحةَ البُنِّ في ثوبها حين تفتح باب النهار لسرب الدجاجِ. |
أُحبُّ الطبيعةَ بين الخريفِ وبين الشتاءِ، |
وأبناءَ سجَّانِنا، والمجلاَّت فوق الرصيف البعيدِ. |
وألَّفْتُ عشرين أُغنيةً في هجاء المكان الذي لا مكان لنا فيهِ. |
حُرّيتي: أن أكونَ كما لا يريدون لي أن أكونَ. |
وحريتي: أنْ أوسِّع زنزانتي: أن أُواصل أغنيةَ البابِ: |
بابٌ هو البابُ: لا بابَ للبابِ |
لكنني أستطيع الخروج إلى داخلي، إلخ.. إلخ.. |
( 2 ) مقعدٌ في قطار
مناديلُ ليست لنا. |
عاشقاتُ الثواني الأخيرةِ. |
ضوءُ المحطة. |
وردٌ يُضَلِّل قلبًا يُفَتِّش عن معطفٍ للحنانِ. |
دموعٌ تخونُ الرصيفَ. أساطيرُ ليست لنا. |
من هنا سافروا، هل لنا من هناك لنفرحَ عند الوصول? |
زنابقُ ليست لنا كي نُقَبِّل خط الحديد. |
نسافر بحثًا عن الصِّفْر |
لكننا لا نحبُّ القطارات حين تكون المحطات منفى جديدًا. |
مصابيحُ ليستْ لنا كي نرى حُبَّنا واقفًا في انتظار الدخانِ. |
قطارٌ سريعٌ يَقُصُّ البحيراتِ. |
في كُل جيبٍ مفاتيحُ بيتٍ وصورةُ عائلةٍ. |
كُلُّ أهلِ القطارِ يعودون للأهلِ، لكننا لا نعودُ إلى أي بيتٍ. |
نسافرُ بحثًا عن الصفرْ كي نستعيد صواب الفراش. |
نوافذُ ليستْ لنا، والسلامُ علينا بكُلِّ اللغات. |
تُرى، كانت الأرضُ أوضحَ حين ركبنا الخيولَ القديمةَ? |
أين الخيول، وأين عذارى الأغاني، وأين أغاني الطبيعة فينا? |
بعيدٌ أنا عن بعيديَ. |
ما أبعد الحبّ! تصطادنا الفتياتُ السريعاتُ مثل لصوصِ البضائعِ. |
ننسى العناوين فوقَ زجاج القطاراتِ. |
نحن الذين نحبُّ لعشر دقائقَ لا نستطيع الرجوعَ إلى أي بيتٍ دخلناه. |
لا نستطيع عبور الصدى مرتين. |
( 3 ) حجرة العناية الفائقة
تدورُ بيَ الريحُ حين تضيقُ بيَ الأرضُ. |
لا بُدَّ لي أن أطيرَ وأن ألجُمَ الريحَ، |
لكنني آدميٌّ.. شعرتُ بمليون نايٍ يُمَزِّقُ صدري. |
تصبَّبْتُ ثلجًا وشاهدتُ قبري على راحتيَّ. |
تبعثرتُ فوق السرير. |
تقيَّأتُ. |
غبتُ قليلاً عن الوعي. |
متُّ. |
وصحتُ قبيل الوفاة القصيرةِ: |
إني أحبُّكِ، هل أدخل الموت من قدميكِ? |
ومتُّ.. ومتُّ تمامًا، |
فما أهدأ الموت لولا بكاؤك! |
ما أهدأ الموتَ لولا يداكِ اللتان تدقّان صدري لأرجع من حيث متُّ. |
أحبك قبل الوفاةِ، وبعد الوفاةِ، |
وبينهما لم أُشاهد سوى وجه أمي. |
هو القلب ضلَّ قليلاً وعادَ، سألتُ الحبيبة: |
في أيِّ قلبٍ أُصبتُ? فمالتْ عليه وغطَّتْ سؤإلى بدمعتها. |
أيها القلب.. يا أيها القلبُ كيف كذبت عليَّ وأوقعتني عن صهيلي? |
لدينا كثير من الوقت، يا قلب، فاصمُدْ |
ليأتيك من أرض بلقيس هدهدْ. |
بعثنا الرسائل. |
قطعنا ثلاثين بحرًا وستين ساحلْ |
وما زال في العمر وقتٌ لنشرُدْ. |
ويا أيها القلب، كيف كذبتَ على فرسٍ لا تملُّ الرياحَ. |
تمهَّل لنكملَ هذا العناقَ الأخيرَ ونسجُدْ. |
تمهَّل.. تمهَّلْ لأعرفَ إن كنتَ قلبي أم صوتَها وهي تصرخ: |
خُذني. |
( 4 ) غرفة في فندق
سلامٌ على الحب يوم يجيءُ، |
ويوم يموتُ، ويومَ يُغَيِّرُ أصحابَهُ في الفنادِقِ! |
هل يخسرُ الحبُّ شيئًا? سنشربُ قهوتنا في مساءِ الحديقةِ. |
نروي أحاديثَ غربتنا في العشاءِ. |
ونمضي إلى حجْرةٍ كي نتابع بحث الغريبين عن ليلةٍ من حنانٍ، [إلخ.. إلخ..]. |
سننسى بقايا كلام على مقعدين، |
سننسى سجائرنا، ثم يأتي سوانا ليكمل سهرتنا والدخان. |
سننسى قليلاً من النوم فوق الوسادة. |
يأتي سوانا ويرقد في نومنا، [إلخ.. إلخ..] |
كيف كُنَّا نُصَدِّقُ أجسادَنا في الفنادقِ? |
كيف نُصَدِّقُ أَسرارنَا في الفنادق? |
يأتي سوانا، يُتابع صرختنا في الظلام الذي وَحَّدَ الجسدينْ، |
[إلخ.. إلخ..] ولسنا سوى رَقمين ينامان فوقَ السرير |
المشاع المشاع، يقولان ما قاله عابرانِ على الحبِّ قبل قليلٍ. |
ويأتي الوداعُ سريعًا سريعًا. |
أما كان هذا اللقاء سريعًا لننسى الذين يحبوننا في فنادق أخرى? |
أما قلتِ هذا الكلام الإباحيَّ يومًا لغيري? |
أما قلتُ هذا الكلام الإباحيَّ يومًا لغيرك في فندقٍ آخر أو هنا فوق هذا السريرِ? |
سنمشي الخطى ذاتها كي يجيءَ سوانا ويمشي الخطى ذاتها.. [إلخ.. إلخ..]. |
( * )
1 comment:
رحمك الله يا من أحببته من قبل أن أراه
Post a Comment