الليلة الأولى كانت في مدينة الهافر عبارة عن قراءة شعرية في مسرح "لو فولكان" بين محمود درويش والممثل ديديان ساندر، بالعربية والفرنسية، وبثتها إذاعة "فرانس كولتوV" مباشرة. وامتلأت القاعة التي تتسع لـ 1200 شخص بجمهور فرنسي أصغى الى قصائد درويش بالصوتين العربي والفرنسي.
الليلة الثانية كان عنوانها "ليل بابل الشعري" وشارك فيها نحو ستين شخصاً من الجمهور قرأوا قصائد مترجمة لمحمود درويش وقصائد لشعراء سمّاهم درويش نفسه وهم الأقرب الى قلبه ومنهم: سان جون بيرس، يانيس ريتسوس، بابلو نيرودا، أوجينيو مونتالي،وليم بتلر ييتس وفدريكو غارسيا لوركا. وقرئت قصائد هؤلاء الشعراء بلغاتهم الأم. وقدّم بعض الحاضرين قصائد كتبوها للمناسبة، مهداة الى الشاعر درويش. وقدم البعض أغنيات ومقطوعات موسيقية. وامتدت الأمسية من السابعة مساء الى الثانية عشرة ليلاً. وتخلل الأمسية حفل موسيقي أحياه موريس المديوني.
وتكررت الأمسية نفسها في الليلة الثالثة وأدت المغنية دومنيك دوفال قصيدة "أحد عشر كوكباً" بالفرنسية على موسيقى الجاز التي وضعها فيليب لا كاريير.
أما في باريس فأحيا درويش أمسية في "ريد هول" في جامعة كاليفورنيا - باريس وقرأ بالمشاركة مع الممثل ديديان ساندر مختارات من شعره بالعربية والفرنسية. وأعقب القراءات حوار مفتوح مع الجمهور.
وفي أيار (مايو) المقبل تقدم قصيدة "جدارية" في عرض مسرحي من إخراج وسام أرباش مع ممثلين فرنسيين في مسرح "لوفولكان" (الهافر) ثم تنتقل الى باريس لتقدم على الأرجح في مسرح "الأوديون".
وتقام خلال الشهر نفسه أمسيات شعرية أخرى عنوان إحداها "شاعر طروادي" وهي تنطلق من قصائد للشاعر درويش بالفرنسية يخرجها ألان ميليانتي. ومن الأمسيات واحدة بعنوان "يطير الحمام ويحطّ الحمام" مع مقاطع من "نشيد الأناشيد"، مع موسيقى وضعها الموسيقار رودولف بيرغر. وتغني خلال الأمسية دومنيك دوفال قصيدة "خطبة الهندي الأحمر الأخيرة".
وتتوالى الأمسيات لاحقاً خلال الخريف المقبل ومنها: أمسية موسيقية يحييها الفنان مارسيل خليفة ويقدم فيها مقطوعات مستوحاة من شعر درويش في مناسبة مرور ثلاثين سنة على التجربة المشتركة بين الشاعر والموسيقار المغني، أمسية يقرأ فيها درويش قصائد للشاعر العربي الكبير المتنبي بالعربية ويرافقه ممثل يقرأ القصائد نفسها بالفرنسية، أمسية يحييها "الثلاثي جبران" وهي فرقة فلسطينية شهيرة، وأمسية للمغنية المغربية عائشة رضوان.
وفي مناسبة صدور ديوان "لا تعتذر عمّا فعلت" لدرويش بالفرنسية عن دار "أكت سود" في ترجمة الياس صنبر احتفى الإعلام بالشاعر وكتبت عن الديوان مقالات عدة. وأجرت مجلة "لو نوفيل أوبسرفاتوار" حواراً معه وكذلك صحيفة "لوموند" مخصصة له صفحة كاملة في العدد المزدوج الأحد - الاثنين الفائتين.
هنا مقتطفات من حوار درويش مع "لوموند"وقد أجرته سيلفان سيبيل.
عن رأيه في مسألة الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها إحدى الصحف الدنماركية يقول: "هذا جنون يملأني أسى. في البداية، كاريكاتور النبي محمّد (صلى الله عليه وسلم) وعلى رأسه قنبلة عوضاً عن العمامة أمر مهين. يجب حماية حرية الصحافة ولكن ليس حقّ الإهانة. إذ لا يمكن إهانة معتقدات الآخرين بلا طائل. ففي فرنسا، الصحافة حرة، ولكن توجد قوانين تعاقب التعبير العلني عن العنصرية. وفي الجو العالمي الخانق الذي نعيش فيه، يجب احترام رفض المسلمين لرسم تصوّرات للنبي محمد. وفي الوقت عينه، المشكلة هي أنّ الرأي العربي والمسلم لا يشكّل فرقاً بين الشعوب في تنوّعها والحكومات. فهو يرى كلّ شيء في كتلة واحدة. والتحجّج برسم لحرق السفارات جنون أيضاً. فمن الجهتين، تتنافس قوى لمفاقمة صدام الهويّات. سيمرّ ذلك يوماً ما، إنها مرحلة موقتة. لكن بانتظار ذلك، تسيطر هذه القوى".
وعن قضية "حماس" التي وصلت الى السلطة يقول: "لنقرّ أولاً أن تغيير نظام الحكم جرى في طريقة ديموقراطية جداً. وهذا أمر إيجابي في العادات السياسية في المجتمع الفلسطيني. وبحلول ذلك، تحمّل إسرائيل مسؤولية كبيرة. فقد نشرت مناخاً من عدم الشرعية للسلطة الفلسطينية مهدّ الطريق لـ "حماس". فضلاً عن سياستها التي تجعل الحياة الفلسطينية اليومية غير ممكنة. وساهم تجاهل السلطة في توليد مناخ ضار، ما دفع بالكثيرين إلى التفكير قائلين: "لماذا لا نجرّب طريقاً أخرى؟ لا يمكن أن يكون الوضع أسوأ." كان التصويت لـ "حماس" اعتراضياً بقدر ما كان دينياً. والآن علينا العيش مع هذه التجربة. ولكن لا يمكنني إخفاء مخاوفي، فقد أعلن مسؤولون من "حماس" عن نيّتهم في "إعادة تشكيل المجتمع على قاعدة إسلامية." حين ندافع عن فلسطين علمانية تعددية، لا يمكننا أن نقلق سوى في شأن حقوق المرأة والشباب والحريات الفردية، من دون أن ننسى المكّون المسيحي. آمل أن تنظّم حماس القاعدة التي أوصلتها إلى السلطة وتحترمها، هذه القاعدة التي كانت دوافعها بالإجمال اعتراضية. من ناحية أخرى، سيخدم ذلك كتبرير لأحاديتهم. ولكن إن نووا الحفاظ على مجموعات مستوطناتهم وإعطاءنا بعض القرى كرماً منهم، فهذا يعني أنّهم لا يريدون السلام. وهذا لن ينفع، إلى أن يستوعبوا الواقع: السبيل الوحيد هي بإنهاء الاحتلال".
وعن تردده في التطرّق الى السياسة يقول درويش: "إنّني أعيش في الحيرة. لا أرفض الكلام في السياسة، ولكن أرفض كل التأكيدات في حاضر مضطرب إلى هذا الحدّ. فأنا لست أكيداً من نظرتي الخاصة. أنا أدمج التعقيد في عملي كشاعر، فكلّ شاعر أو حتى كل كاتب من العالم الثالث يقول إنّه لا يهتمّ بالمجتمع أو السياسة هو كاذب. لست كاذباً حتى الآن. أما للفلسطينيين فالسياسة أمر وجودي، لكن الشعر أكثر حنكة، إذ يسمح بالدوران بين احتمالات عدة. فهو يرتكز على الاستعارة والإيقاع والاهتمام بالرؤية خلف المظاهر. لكن الشعراء لا يديرون العالم، وهذا أفضل، فالفوضى التي يدخلونها قد تكون أسوأ من فوضى السياسيين".
وتسأله: "في كتابكم الأخير الذي ظهر بالفرنسية، تكتب: "أنا ما سأكون عليه غداً". هذا شعر مفاجئ من شاعر يعتمد عدم التغيّر"، ويرد: "على العكس، فالحاضر يخنقنا ويمزّق الهويّات. لهذا لن أجد نفسي الحقيقية قبل الغد، حين أتمكّن من قول شيء آخر أو كتابته. فالهوية ليست إرثاً بل تكوين. فهي تكوّننا ونكوّنها باستمرار، ولن نعرفها إلاّ غداً. أنا هويّتي متعدّدة ومختلفة. أنا غائب اليوم وسأكون حاضراً غداً. أحاول تنمية الأمل كما ننمّي الطفل، لكي أكون ما أريده وليس ما يريدونني أن أكون"
الحياة
16/02/06
نقلا عن موقع جهة الشعر