2006-05-29

سنة محمود درويش في فرنسا شعراً وموسيقى

طوال سنة، بدءاً من فصل الشتاء وانتهاء بالخريف المقبل تحيي باريس ومدينة الهافر الفرنسية احتفالاً بالشاعر محمود درويش بعنوان "فصل شعري"، وقد بدأ قبل أيام. والاحتفال تنظمه ثلاث مؤسسات: إذاعة "فرانس كولتور" ودار "أكت سود" ومجلة "Les Inrockuptibles".

الليلة الأولى كانت في مدينة الهافر عبارة عن قراءة شعرية في مسرح "لو فولكان" بين محمود درويش والممثل ديديان ساندر، بالعربية والفرنسية، وبثتها إذاعة "فرانس كولتوV" مباشرة. وامتلأت القاعة التي تتسع لـ 1200 شخص بجمهور فرنسي أصغى الى قصائد درويش بالصوتين العربي والفرنسي.

الليلة الثانية كان عنوانها "ليل بابل الشعري" وشارك فيها نحو ستين شخصاً من الجمهور قرأوا قصائد مترجمة لمحمود درويش وقصائد لشعراء سمّاهم درويش نفسه وهم الأقرب الى قلبه ومنهم: سان جون بيرس، يانيس ريتسوس، بابلو نيرودا، أوجينيو مونتالي،وليم بتلر ييتس وفدريكو غارسيا لوركا. وقرئت قصائد هؤلاء الشعراء بلغاتهم الأم. وقدّم بعض الحاضرين قصائد كتبوها للمناسبة، مهداة الى الشاعر درويش. وقدم البعض أغنيات ومقطوعات موسيقية. وامتدت الأمسية من السابعة مساء الى الثانية عشرة ليلاً. وتخلل الأمسية حفل موسيقي أحياه موريس المديوني.

وتكررت الأمسية نفسها في الليلة الثالثة وأدت المغنية دومنيك دوفال قصيدة "أحد عشر كوكباً" بالفرنسية على موسيقى الجاز التي وضعها فيليب لا كاريير.

أما في باريس فأحيا درويش أمسية في "ريد هول" في جامعة كاليفورنيا - باريس وقرأ بالمشاركة مع الممثل ديديان ساندر مختارات من شعره بالعربية والفرنسية. وأعقب القراءات حوار مفتوح مع الجمهور.

وفي أيار (مايو) المقبل تقدم قصيدة "جدارية" في عرض مسرحي من إخراج وسام أرباش مع ممثلين فرنسيين في مسرح "لوفولكان" (الهافر) ثم تنتقل الى باريس لتقدم على الأرجح في مسرح "الأوديون".

وتقام خلال الشهر نفسه أمسيات شعرية أخرى عنوان إحداها "شاعر طروادي" وهي تنطلق من قصائد للشاعر درويش بالفرنسية يخرجها ألان ميليانتي. ومن الأمسيات واحدة بعنوان "يطير الحمام ويحطّ الحمام" مع مقاطع من "نشيد الأناشيد"، مع موسيقى وضعها الموسيقار رودولف بيرغر. وتغني خلال الأمسية دومنيك دوفال قصيدة "خطبة الهندي الأحمر الأخيرة".

وتتوالى الأمسيات لاحقاً خلال الخريف المقبل ومنها: أمسية موسيقية يحييها الفنان مارسيل خليفة ويقدم فيها مقطوعات مستوحاة من شعر درويش في مناسبة مرور ثلاثين سنة على التجربة المشتركة بين الشاعر والموسيقار المغني، أمسية يقرأ فيها درويش قصائد للشاعر العربي الكبير المتنبي بالعربية ويرافقه ممثل يقرأ القصائد نفسها بالفرنسية، أمسية يحييها "الثلاثي جبران" وهي فرقة فلسطينية شهيرة، وأمسية للمغنية المغربية عائشة رضوان.

وفي مناسبة صدور ديوان "لا تعتذر عمّا فعلت" لدرويش بالفرنسية عن دار "أكت سود" في ترجمة الياس صنبر احتفى الإعلام بالشاعر وكتبت عن الديوان مقالات عدة. وأجرت مجلة "لو نوفيل أوبسرفاتوار" حواراً معه وكذلك صحيفة "لوموند" مخصصة له صفحة كاملة في العدد المزدوج الأحد - الاثنين الفائتين.

هنا مقتطفات من حوار درويش مع "لوموند"وقد أجرته سيلفان سيبيل.

عن رأيه في مسألة الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها إحدى الصحف الدنماركية يقول: "هذا جنون يملأني أسى. في البداية، كاريكاتور النبي محمّد (صلى الله عليه وسلم) وعلى رأسه قنبلة عوضاً عن العمامة أمر مهين. يجب حماية حرية الصحافة ولكن ليس حقّ الإهانة. إذ لا يمكن إهانة معتقدات الآخرين بلا طائل. ففي فرنسا، الصحافة حرة، ولكن توجد قوانين تعاقب التعبير العلني عن العنصرية. وفي الجو العالمي الخانق الذي نعيش فيه، يجب احترام رفض المسلمين لرسم تصوّرات للنبي محمد. وفي الوقت عينه، المشكلة هي أنّ الرأي العربي والمسلم لا يشكّل فرقاً بين الشعوب في تنوّعها والحكومات. فهو يرى كلّ شيء في كتلة واحدة. والتحجّج برسم لحرق السفارات جنون أيضاً. فمن الجهتين، تتنافس قوى لمفاقمة صدام الهويّات. سيمرّ ذلك يوماً ما، إنها مرحلة موقتة. لكن بانتظار ذلك، تسيطر هذه القوى".

وعن قضية "حماس" التي وصلت الى السلطة يقول: "لنقرّ أولاً أن تغيير نظام الحكم جرى في طريقة ديموقراطية جداً. وهذا أمر إيجابي في العادات السياسية في المجتمع الفلسطيني. وبحلول ذلك، تحمّل إسرائيل مسؤولية كبيرة. فقد نشرت مناخاً من عدم الشرعية للسلطة الفلسطينية مهدّ الطريق لـ "حماس". فضلاً عن سياستها التي تجعل الحياة الفلسطينية اليومية غير ممكنة. وساهم تجاهل السلطة في توليد مناخ ضار، ما دفع بالكثيرين إلى التفكير قائلين: "لماذا لا نجرّب طريقاً أخرى؟ لا يمكن أن يكون الوضع أسوأ." كان التصويت لـ "حماس" اعتراضياً بقدر ما كان دينياً. والآن علينا العيش مع هذه التجربة. ولكن لا يمكنني إخفاء مخاوفي، فقد أعلن مسؤولون من "حماس" عن نيّتهم في "إعادة تشكيل المجتمع على قاعدة إسلامية." حين ندافع عن فلسطين علمانية تعددية، لا يمكننا أن نقلق سوى في شأن حقوق المرأة والشباب والحريات الفردية، من دون أن ننسى المكّون المسيحي. آمل أن تنظّم حماس القاعدة التي أوصلتها إلى السلطة وتحترمها، هذه القاعدة التي كانت دوافعها بالإجمال اعتراضية. من ناحية أخرى، سيخدم ذلك كتبرير لأحاديتهم. ولكن إن نووا الحفاظ على مجموعات مستوطناتهم وإعطاءنا بعض القرى كرماً منهم، فهذا يعني أنّهم لا يريدون السلام. وهذا لن ينفع، إلى أن يستوعبوا الواقع: السبيل الوحيد هي بإنهاء الاحتلال".

وعن تردده في التطرّق الى السياسة يقول درويش: "إنّني أعيش في الحيرة. لا أرفض الكلام في السياسة، ولكن أرفض كل التأكيدات في حاضر مضطرب إلى هذا الحدّ. فأنا لست أكيداً من نظرتي الخاصة. أنا أدمج التعقيد في عملي كشاعر، فكلّ شاعر أو حتى كل كاتب من العالم الثالث يقول إنّه لا يهتمّ بالمجتمع أو السياسة هو كاذب. لست كاذباً حتى الآن. أما للفلسطينيين فالسياسة أمر وجودي، لكن الشعر أكثر حنكة، إذ يسمح بالدوران بين احتمالات عدة. فهو يرتكز على الاستعارة والإيقاع والاهتمام بالرؤية خلف المظاهر. لكن الشعراء لا يديرون العالم، وهذا أفضل، فالفوضى التي يدخلونها قد تكون أسوأ من فوضى السياسيين".

وتسأله: "في كتابكم الأخير الذي ظهر بالفرنسية، تكتب: "أنا ما سأكون عليه غداً". هذا شعر مفاجئ من شاعر يعتمد عدم التغيّر"، ويرد: "على العكس، فالحاضر يخنقنا ويمزّق الهويّات. لهذا لن أجد نفسي الحقيقية قبل الغد، حين أتمكّن من قول شيء آخر أو كتابته. فالهوية ليست إرثاً بل تكوين. فهي تكوّننا ونكوّنها باستمرار، ولن نعرفها إلاّ غداً. أنا هويّتي متعدّدة ومختلفة. أنا غائب اليوم وسأكون حاضراً غداً. أحاول تنمية الأمل كما ننمّي الطفل، لكي أكون ما أريده وليس ما يريدونني أن أكون"

الحياة

16/02/06



نقلا عن موقع جهة الشعر

2006-05-28

أربعة عناوين شخصية

( 1 ) متر مربع في السجن

هو البابُ، ما خلفه جنَّةُ القلب. أشياؤنا

- كُلُّ شيء لنا - تتماهى. وبابٌ هو الباب،

بابُ الكنايةِ، باب الحكاية. بابٌ يُهذِّب أيلولَ.

بابٌ يعيد الحقولَ إلى أوَّل القمحِ.

لا بابَ للبابِ لكنني أستطيع الدخول إلى خارجي

عاشقًا ما أراهُ وما لا أراهُ.

أفي الأرض هذا الدلالُ وهذا الجمالُ ولا بابَ للبابِ?

زنزانتي لا تضيء سوى داخلي..

وسلامٌ عليَّ، سلامٌ على حائط الصوتِ.

ألَّفْتُ عشرَ قصائدَ في مدْح حريتي ههنا أو هناك.

أُحبُّ فُتاتَ السماءِ التي تتسلل من كُوَّة السجن مترًا من الضوء تسبح فيه الخيول،

وأشياءَ أمِّي الصغيرة..

رائحةَ البُنِّ في ثوبها حين تفتح باب النهار لسرب الدجاجِ.

أُحبُّ الطبيعةَ بين الخريفِ وبين الشتاءِ،

وأبناءَ سجَّانِنا، والمجلاَّت فوق الرصيف البعيدِ.

وألَّفْتُ عشرين أُغنيةً في هجاء المكان الذي لا مكان لنا فيهِ.

حُرّيتي: أن أكونَ كما لا يريدون لي أن أكونَ.

وحريتي: أنْ أوسِّع زنزانتي: أن أُواصل أغنيةَ البابِ:

بابٌ هو البابُ: لا بابَ للبابِ

لكنني أستطيع الخروج إلى داخلي، إلخ.. إلخ..

( 2 ) مقعدٌ في قطار

مناديلُ ليست لنا.

عاشقاتُ الثواني الأخيرةِ.

ضوءُ المحطة.

وردٌ يُضَلِّل قلبًا يُفَتِّش عن معطفٍ للحنانِ.

دموعٌ تخونُ الرصيفَ. أساطيرُ ليست لنا.

من هنا سافروا، هل لنا من هناك لنفرحَ عند الوصول?

زنابقُ ليست لنا كي نُقَبِّل خط الحديد.

نسافر بحثًا عن الصِّفْر

لكننا لا نحبُّ القطارات حين تكون المحطات منفى جديدًا.

مصابيحُ ليستْ لنا كي نرى حُبَّنا واقفًا في انتظار الدخانِ.

قطارٌ سريعٌ يَقُصُّ البحيراتِ.

في كُل جيبٍ مفاتيحُ بيتٍ وصورةُ عائلةٍ.

كُلُّ أهلِ القطارِ يعودون للأهلِ، لكننا لا نعودُ إلى أي بيتٍ.

نسافرُ بحثًا عن الصفرْ كي نستعيد صواب الفراش.

نوافذُ ليستْ لنا، والسلامُ علينا بكُلِّ اللغات.

تُرى، كانت الأرضُ أوضحَ حين ركبنا الخيولَ القديمةَ?

أين الخيول، وأين عذارى الأغاني، وأين أغاني الطبيعة فينا?

بعيدٌ أنا عن بعيديَ.

ما أبعد الحبّ! تصطادنا الفتياتُ السريعاتُ مثل لصوصِ البضائعِ.

ننسى العناوين فوقَ زجاج القطاراتِ.

نحن الذين نحبُّ لعشر دقائقَ لا نستطيع الرجوعَ إلى أي بيتٍ دخلناه.

لا نستطيع عبور الصدى مرتين.

( 3 ) حجرة العناية الفائقة

تدورُ بيَ الريحُ حين تضيقُ بيَ الأرضُ.

لا بُدَّ لي أن أطيرَ وأن ألجُمَ الريحَ،

لكنني آدميٌّ.. شعرتُ بمليون نايٍ يُمَزِّقُ صدري.

تصبَّبْتُ ثلجًا وشاهدتُ قبري على راحتيَّ.

تبعثرتُ فوق السرير.

تقيَّأتُ.

غبتُ قليلاً عن الوعي.

متُّ.

وصحتُ قبيل الوفاة القصيرةِ:

إني أحبُّكِ، هل أدخل الموت من قدميكِ?

ومتُّ.. ومتُّ تمامًا،

فما أهدأ الموت لولا بكاؤك!

ما أهدأ الموتَ لولا يداكِ اللتان تدقّان صدري لأرجع من حيث متُّ.

أحبك قبل الوفاةِ، وبعد الوفاةِ،

وبينهما لم أُشاهد سوى وجه أمي.

هو القلب ضلَّ قليلاً وعادَ، سألتُ الحبيبة:

في أيِّ قلبٍ أُصبتُ? فمالتْ عليه وغطَّتْ سؤإلى بدمعتها.

أيها القلب.. يا أيها القلبُ كيف كذبت عليَّ وأوقعتني عن صهيلي?

لدينا كثير من الوقت، يا قلب، فاصمُدْ

ليأتيك من أرض بلقيس هدهدْ.

بعثنا الرسائل.

قطعنا ثلاثين بحرًا وستين ساحلْ

وما زال في العمر وقتٌ لنشرُدْ.

ويا أيها القلب، كيف كذبتَ على فرسٍ لا تملُّ الرياحَ.

تمهَّل لنكملَ هذا العناقَ الأخيرَ ونسجُدْ.

تمهَّل.. تمهَّلْ لأعرفَ إن كنتَ قلبي أم صوتَها وهي تصرخ:

خُذني.

( 4 ) غرفة في فندق

سلامٌ على الحب يوم يجيءُ،

ويوم يموتُ، ويومَ يُغَيِّرُ أصحابَهُ في الفنادِقِ!

هل يخسرُ الحبُّ شيئًا? سنشربُ قهوتنا في مساءِ الحديقةِ.

نروي أحاديثَ غربتنا في العشاءِ.

ونمضي إلى حجْرةٍ كي نتابع بحث الغريبين عن ليلةٍ من حنانٍ، [إلخ.. إلخ..].

سننسى بقايا كلام على مقعدين،

سننسى سجائرنا، ثم يأتي سوانا ليكمل سهرتنا والدخان.

سننسى قليلاً من النوم فوق الوسادة.

يأتي سوانا ويرقد في نومنا، [إلخ.. إلخ..]

كيف كُنَّا نُصَدِّقُ أجسادَنا في الفنادقِ?

كيف نُصَدِّقُ أَسرارنَا في الفنادق?

يأتي سوانا، يُتابع صرختنا في الظلام الذي وَحَّدَ الجسدينْ،

[إلخ.. إلخ..] ولسنا سوى رَقمين ينامان فوقَ السرير

المشاع المشاع، يقولان ما قاله عابرانِ على الحبِّ قبل قليلٍ.

ويأتي الوداعُ سريعًا سريعًا.

أما كان هذا اللقاء سريعًا لننسى الذين يحبوننا في فنادق أخرى?

أما قلتِ هذا الكلام الإباحيَّ يومًا لغيري?

أما قلتُ هذا الكلام الإباحيَّ يومًا لغيرك في فندقٍ آخر أو هنا فوق هذا السريرِ?

سنمشي الخطى ذاتها كي يجيءَ سوانا ويمشي الخطى ذاتها.. [إلخ.. إلخ..].

( * ) من ديوان ( هي أغنية ، هي أغنية ) ، 1986.

السروة انكسرت

ألسروةُ إنكسَرَتْ كمئذنةٍ، ونامت في

الطريق على تَقَشُّف ظِلِّها، خضراءَ، داكنةً،

كما هِيَ. لم يُصَبْ أَحدٌ بسوء. مَرّت

العَرَباتُ مُسْرِعَةًعلى أغصانها. هَبَّ الغبارُ

على الزجاج... ألسروةُ انكسرتْ، ولكنَّ

الحمامة لم تغيِّر عُشَّها العَلَنيَّ في دارٍ

مُجَاورةٍ. وحلّق طائران مهاجران على

كَفَاف مكانها، وتبادلا بعضَ الرموز.

وقالت امرأةٌ لجارتها: تُرَى، شأهَدْتِ عاصفةً؟

فقالت: لا، ولا جرَّافةً... والسروةُ

انكسرتْ. وقال العابرون على الحُطام:

لعلَّها سَئِمَتْ من الإهمال أَو هَرِمَتْ

من الأيّام، فَهْيَ طويلةٌ كزرافةٍ، وقليلةُ

المعنى كمكنسةِ الغبار، ولا تُظَلِّلُ عاشِقَيْن.

وقال طفلٌ: كنتُ أَرسمها بلا خطأ،

فإنَّ قوامَها سَهْلٌ. وقالت طفلةٌ: إن

السماءَ اليوم ناقصةٌ لأن السروةٌ انكسرت.

وقال فتىً: ولكنَّ السماءَ اليوم كاملةٌ

لأن السروةَ انكسرتْ. وقُلْتُ أَنا

لنفسي: لا غُموضَ ولا وُضُوحَ،

السروة انكسرتْ، وهذا كُلُّ ما في

الأمرِ: إنَّ السروة انكسرتْ!

2006-05-26

درس من كاما سوطرا

بكأس الشراب المرصّع باللازرود

انتظرها،

على بركة الماء حول المساء وزهر الكولونيا

انتظرها،

بصبر الحصان المعدّ لمنحدرات الجبال

انتظرها،

بسبع وسائد محشوة بالسحاب الخفيف

انتظرها،

بنار البخور النسائي ملء المكان

انتظرها،

برائحة الصندل الذكرية حول ظهور الخيول

انتظرها،

ولا تتعجل فإن اقبلت بعد موعدها

فانتظرها،

وإن أقبلت قبل موعدها

فانتظرها،

ولا تُجفل الطير فوق جدائلها

وانتظرها،

لتجلس مرتاحة كالحديقة في أوج زينتها

وانتظرها،

لكي تتنفس هذا الهواء الغريب على قلبها

وانتظرها،

لترفع عن ساقها ثوبها غيمة غيمة

وانتظرها،

وخذها إلى شرفة لترى قمراً غارقاً في الحليب

انتظرها،

وقدم لها الماء، قبل النبيذ، ولا

تتطلع إلى توأمي حجل نائمين على صدرها

وانتظرها،

ومسّ على مهل يدها عندما

تضع الكأس فوق الرخام

كأنك تحمل عنها الندى

وانتظرها،

تحدث اليها كما يتحدث ناي

إلى وتر خائف في الكمان

كـأنكما شاهدان على ما يعد غد لكما

وانتظرها

ولمّع لها ليلها خاتما خاتما

وانتظرها

إلى ان يقول لك الليل:

لم يبق غيركما في الوجود

فخذها، برفق، إلى موتك المشتهى

وانتظرها!...